www.hespress.com بوحمارة.. أمير مزيف دحر جيوش السلطان
منذ أزيد من قرن وبالضبط في يونيو 1902، خرج شخص يدعي
أنه ابن الحسن الأول وأخ السلطان، انتحل اسم الأمير مولاي امحمد الملقب
بـ"الأعور"، وثار على المولى عبد العزيز، الرجل القادم من زرهون، والذي كان
اسمه قبل خروجه ثائرا الجيلالي، سيهزم السلطان في أكثر من موقعة، وسيعرفه
الناس باسم الروكي بوحمارة.
الأمير المزيف منتصرا
بفضل ذكائه ووصول بعض الأخبار إليه، تمكن من تضليل الناس، واستغلال معلومة غاية في الأهمية، كون الوزير القوي "با احماد"، سجن الأمير "الأعور" الحقيقي في "بنيقة" سرية، لما علم عزمه على منازعة السلطان عبد العزيز الحكم، لأنه أكبر أبناء الحسن الأول، فتحدى الجيلالي الزرهوني، المخزن بادعائه هذه الصفة وهو على يقين بعدم قدرة الصدر الأعظم على إخراج الأمير الحقيقي إلى العلن.
يتفق أغلب المؤرخين على أن الجيلالي الزرهوني الذي اشتهر بلقب "بوحمارة"، كان داهية ورجلا ماكرا، وصل إلى الحد الذي جعل مصادر تاريخية عديدة تطرح السؤال حول كيفية حصوله على الخاتم المولوي الذي كتب بداخله "امحمد بن الحسن الله وليه"، لم يلتفت السلطان في بادئ الأمر إلى دعوات بوحمارة، فأرسل كتيبة مشكلة من قائد وعشرين مخازنيا، للقبض على الروكي بوحمارة، لكنهم لم يفلحوا في أداء المهمة مما زاد بوحمارة قوة ووهما بأنه أقوى، لكن الحدث الذي ثارت له ثائرة البلاط هو الدعاء لبوحمارة في خطبة الجمعة بالمسجد الأعظم بتازة، فجهز حملة كبرى يقودها أخ السلطان الأمير عبد الكبير، لكن بوحمارة وجنوده دحروا هذا الجيش وانتصروا عليه. فجهز السلطان جيشا من خمسة عشر ألف رجل، لكن فيالق بوحمارة هزمته أيضا وغنمت رجاله وعتاده.
توالت المعارك بين الجيش السلطاني وجنود الروكي، حتى دخل إلى مدينة وجدة، وقرر اتخاذها عاصمة لملكه، لكن نزول جنود المخزن بساحل السعيدية وغاراتهم على وجدة جعلته يقرر العودة إلى تازة، ويواصل منها مواجهته مع السلطان، كان الشعب حينئذ يؤمن أن الروكي هو أخ السلطان، وفي سنة 1905 سيستقر بوحمارة بالقرب من مدينة الناضور، بمركز قبيلة بويفرر، التي كانت قد بايعته سنة 1903.
عندما عظم أمر بوحمارة، بدأ السلطان في النبش عن أسراره ومصادر تمويله، لتتجلى حقائق جديدة، تظهر من يقف وراء الرجل، كان جنود بوحمارة يستعملون في محاربة المخزن أسلحة فرنسية، أما هو فقد كان يتلقى أموالا من المعمرين الفرنسيين في الجزائر، من أجل السماح لهم بالاستغلال التجاري لمنطقة الشمال الشرقي، وقام أيضا بإغراء حاكم مليلية الإسباني بالمعادن الكامنة تحت تراب منطقة الريف، مسهلا لهم إنشاء "الشركة الإسبانية لمعادن الريف".
إسبانيا تطلب ود الروكي
في "سلوان" قرر بوحمارة تأليف حكومة، فعين وزيرا أول وحاجبا ووزع القواد على رأس القبائل الموالية له، وذلك بإيعاز من الفرنسيين، لكن إسبانيا القريبة من الموقع عبر مليلية ظلت تفاوض بوحمارة من أجل إبداء الولاء لها عوض فرنسا، خصوصا مع إنشاء الوكالة "المحمدية" والتي كانت متخصصة في نقل وتهريب السلاح لبوحمارة وجنوده.
قام الجنرال مارينا الإسباني بعقد ميثاق مع بوحمارة ووضع له طعما، بأن يسيطر بوحمارة على منطقة الجمارك عند حدود مليلية، الاتفاق بين إسبانيا والروكي، لم يستمر طويلا، إذ قنبلت السلطات المخزنية من البحر الوكالة الفرنسية، لكن بوحمارة عزز علاقاته بالجنرال الإسباني، ووقع اتفاقية أخرى للتبادل التجاري، بين مليلية ومناطق نفوذه، بالمقابل حصل بوحمارة على دعم عسكري وعتاد حربي فضلا عن الدعم السياسي، توالي هذه الأحداث، جعل المخزن ينزل بقوة على ضفاف نهر ملوية، ويعيد هيبته أمام قبائل الريف التي بدأت في الانقلاب على بوحمارة، وهو ما سيصدم بوحمارة خصوصا مع التصريح الرسمي لحكومة إسبانيا التي قالت " إن حكومة إسبانيا قررت أن تبقى محايدة في هذه الحرب المدنية الجارية بين المغاربة".
أثبتت عدد من الوثائق التاريخية أن وصول الجيش السلطاني إلى الريف كان يعاكس مشاريع حاكم مليلية، وكتب الجنرال مارينا إلى حكومته، يصف فيها الوضع بالخطير، وأن وجود المخزن بالقرب من مليلية لا ييسر استمرار التسهيلات التي منحها بوحمارة للتجارة الإسبانية، ولا الرخاء الذي كانت تنعم به المنطقة، وفي الأرشيف الإسباني نجد رسالة تقول، " إن وجود هذا الجيش قد يثير من جديد غرائز القبائل المجاورة، فتثور على بوحمارة وتتضرر من ذلك مليلية من الناحيتين السياسية والاقتصادية وتعود المدينة إلى عزلتها".
المؤرخ المخضرم محمد ابن عزوز حكيم، يكتب واصفا هذه الوثائق، " يستنتج من هذه الوثائق أن الجنرال مارينا، وهو يعارض بقاء قوات المخزن في بلاد (كرط) كان يخدم المصالح الإسبانية التي لم تكن لها قاعدة شرعية، وكان، في الوقت نفسه يساند ثورة بوحمارة بحجة أن من مصلحة إسبانيا لزوم الحياد في هذا النزاع الذي يجري في بلد أجنبي بين السلطة الشرعية وأحد الثائرين عليها".
الخناق يشتد على بوحمارة
كان لمبايعة المولى عبد الحفيظ بدل أخيه عبد العزيز، أثر واضح على ثورة الروكي، وتبعا لذلك أعلن الشريف أمزيان حربه على بوحمارة، الحرب التي سينتج عن انتصاره فيها، فصل قبائل الريف الكبرى تمسامان وتافريست عن الروكي ومبايعة السلطان الجديد، ما جعل بوحمارة بمعية قائده الجيلالي يشنون حربا على جبهات متعددة، وأغاروا على تمسامان، وفرضوا عليهم الجبايات وأعاد سلطته عليها، لكن قبائل أخرى مثل بني ورياغل كانت تهيئ في الخفاء بيعة للمولى عبد الحفيظ، مرفقة برسالة تطالبه بالتدخل وتعيين قواد مخزنيين جدد، فهاجم بني ورياغل في خطوة كانت بمثابة بداية نهايته، وهزم هناك شر هزيمة، وتراجع إلى سلوان، بعد أن تبرأت منه كل القبائل.
في هذه الظرفية كانت إسبانيا تراقب الوضع بعدما أبدت في البداية مساعدة لبوحمارة حين منعت الجيوش المخزنية من الإنزال بمليلية، تاركة إياها تنزل بـ"بوعارك" ذي المرفأ الطبيعي الصعب، وقام الجنرال مارينا ببعث برقية لحكومته يقول فيها، إن أمزيان يتزعم ثورة إسقاط بوحمارة، وتأكد رهان إسبانيا الخاسر حين هاجمت القبائل الريفية في الثامن من أكتوبر العمال الإسبانيين في "معمل ويشن".
كان للشريف أمزيان دور سياسي وتعبوي آخر غير الدور العسكري، فقد جمع إليه خمس عشرة قبيلة، واجتمع بزعمائها ليقرروا محاصرة سلوان والقبض على بوحمارة، وبدأ الحصار أواخر أكتوبر ليستمر إلى متم نوفمبر، حيث سيطلب الروكي من أمزيان السماح له بمغادرة سلوان في اتجاه الضفة الأخرى من نهر ملوية، وبعد مرور شهرين على هربه ألقي القبض عليه من طرف جنود المولى عبد الحفيظ، يوم 21 غشت 1909 وأعدم بفاس يوم 13شتنبر.
من هو بوحمارة
كان عمر بن إدريس الجيلالي الزرهوني الروكي في بداية مسيرته المهنية كاتبا لدى السلطان في مراكش. وبما تأتى له من معرفة بالكتابة والأخبار وعلوم الآلة، استطاع أن يطلع على الوثائق والمحررات الرسمية، وبعد بضع سنوات من عمله هذا، استطاع الروكي أن يكتسب الكثير من الخبرة في مجال كتابة الوثائق وتوقيع العقود، فقام بارتكاب أول تزييف في حياته وتم إبعاده عن القصر.
إن كثيرا من المؤرخين يصفون بوحمارة، بأنه كان رجلا فصيحا طليق اللسان، وأنه استغل معرفته بالعلوم الشرعية وبالفقه في استمالة سكان القرى والقبائل التي كان يمر منها. بل إنه كان خبيرا أيضا في السحر والتنجيم، وبرع في مجال الخدع السحرية وقراءة حركات النجوم ومواقع الأفلاك، ينضاف إلى هذا توفره على خاتم سلطاني يحمل لقب ابن السلطان الأكبر، كل هذه العوامل جعلت دعوة بوحمارة تحظى بالقبول لدى سكان القبائل الريفية، خصوصا مع انشغال السلطة المركزية في مراكش وفاس بمشاكل أخرى من قبيل الأطماع الأجنبية، وتنازع الأمراء على خلافة الملك القوي الحسن الأول. لكن هذه القبائل هي نفسها التي ستحاصر بوحمارة، ليتم إلقاء القبض عليه ونقله في القفص الشهير إلى فاس.
في نهاية يوليوز من سنة 1907، قام سكان البيضاء بتخريب خط السكة الحديدية المقام وسط الميناء، وهاجموا معمرين فرنسيين، لأنهم استشعروا خطورة الوافد الجديد، الذي نافسهم في تجارتهم، وضيق عليهم بلادهم، ولم يتأخر الرد الفرنسي كثيرا، ففي مطلع شهر غشت أغارت من جانب البحر سفن حربية فرنسية وإسبانية على المدينة، وانتشرت رائحة الموت المخيفة.
الأمير المزيف منتصرا
بفضل ذكائه ووصول بعض الأخبار إليه، تمكن من تضليل الناس، واستغلال معلومة غاية في الأهمية، كون الوزير القوي "با احماد"، سجن الأمير "الأعور" الحقيقي في "بنيقة" سرية، لما علم عزمه على منازعة السلطان عبد العزيز الحكم، لأنه أكبر أبناء الحسن الأول، فتحدى الجيلالي الزرهوني، المخزن بادعائه هذه الصفة وهو على يقين بعدم قدرة الصدر الأعظم على إخراج الأمير الحقيقي إلى العلن.
يتفق أغلب المؤرخين على أن الجيلالي الزرهوني الذي اشتهر بلقب "بوحمارة"، كان داهية ورجلا ماكرا، وصل إلى الحد الذي جعل مصادر تاريخية عديدة تطرح السؤال حول كيفية حصوله على الخاتم المولوي الذي كتب بداخله "امحمد بن الحسن الله وليه"، لم يلتفت السلطان في بادئ الأمر إلى دعوات بوحمارة، فأرسل كتيبة مشكلة من قائد وعشرين مخازنيا، للقبض على الروكي بوحمارة، لكنهم لم يفلحوا في أداء المهمة مما زاد بوحمارة قوة ووهما بأنه أقوى، لكن الحدث الذي ثارت له ثائرة البلاط هو الدعاء لبوحمارة في خطبة الجمعة بالمسجد الأعظم بتازة، فجهز حملة كبرى يقودها أخ السلطان الأمير عبد الكبير، لكن بوحمارة وجنوده دحروا هذا الجيش وانتصروا عليه. فجهز السلطان جيشا من خمسة عشر ألف رجل، لكن فيالق بوحمارة هزمته أيضا وغنمت رجاله وعتاده.
توالت المعارك بين الجيش السلطاني وجنود الروكي، حتى دخل إلى مدينة وجدة، وقرر اتخاذها عاصمة لملكه، لكن نزول جنود المخزن بساحل السعيدية وغاراتهم على وجدة جعلته يقرر العودة إلى تازة، ويواصل منها مواجهته مع السلطان، كان الشعب حينئذ يؤمن أن الروكي هو أخ السلطان، وفي سنة 1905 سيستقر بوحمارة بالقرب من مدينة الناضور، بمركز قبيلة بويفرر، التي كانت قد بايعته سنة 1903.
عندما عظم أمر بوحمارة، بدأ السلطان في النبش عن أسراره ومصادر تمويله، لتتجلى حقائق جديدة، تظهر من يقف وراء الرجل، كان جنود بوحمارة يستعملون في محاربة المخزن أسلحة فرنسية، أما هو فقد كان يتلقى أموالا من المعمرين الفرنسيين في الجزائر، من أجل السماح لهم بالاستغلال التجاري لمنطقة الشمال الشرقي، وقام أيضا بإغراء حاكم مليلية الإسباني بالمعادن الكامنة تحت تراب منطقة الريف، مسهلا لهم إنشاء "الشركة الإسبانية لمعادن الريف".
إسبانيا تطلب ود الروكي
في "سلوان" قرر بوحمارة تأليف حكومة، فعين وزيرا أول وحاجبا ووزع القواد على رأس القبائل الموالية له، وذلك بإيعاز من الفرنسيين، لكن إسبانيا القريبة من الموقع عبر مليلية ظلت تفاوض بوحمارة من أجل إبداء الولاء لها عوض فرنسا، خصوصا مع إنشاء الوكالة "المحمدية" والتي كانت متخصصة في نقل وتهريب السلاح لبوحمارة وجنوده.
قام الجنرال مارينا الإسباني بعقد ميثاق مع بوحمارة ووضع له طعما، بأن يسيطر بوحمارة على منطقة الجمارك عند حدود مليلية، الاتفاق بين إسبانيا والروكي، لم يستمر طويلا، إذ قنبلت السلطات المخزنية من البحر الوكالة الفرنسية، لكن بوحمارة عزز علاقاته بالجنرال الإسباني، ووقع اتفاقية أخرى للتبادل التجاري، بين مليلية ومناطق نفوذه، بالمقابل حصل بوحمارة على دعم عسكري وعتاد حربي فضلا عن الدعم السياسي، توالي هذه الأحداث، جعل المخزن ينزل بقوة على ضفاف نهر ملوية، ويعيد هيبته أمام قبائل الريف التي بدأت في الانقلاب على بوحمارة، وهو ما سيصدم بوحمارة خصوصا مع التصريح الرسمي لحكومة إسبانيا التي قالت " إن حكومة إسبانيا قررت أن تبقى محايدة في هذه الحرب المدنية الجارية بين المغاربة".
أثبتت عدد من الوثائق التاريخية أن وصول الجيش السلطاني إلى الريف كان يعاكس مشاريع حاكم مليلية، وكتب الجنرال مارينا إلى حكومته، يصف فيها الوضع بالخطير، وأن وجود المخزن بالقرب من مليلية لا ييسر استمرار التسهيلات التي منحها بوحمارة للتجارة الإسبانية، ولا الرخاء الذي كانت تنعم به المنطقة، وفي الأرشيف الإسباني نجد رسالة تقول، " إن وجود هذا الجيش قد يثير من جديد غرائز القبائل المجاورة، فتثور على بوحمارة وتتضرر من ذلك مليلية من الناحيتين السياسية والاقتصادية وتعود المدينة إلى عزلتها".
المؤرخ المخضرم محمد ابن عزوز حكيم، يكتب واصفا هذه الوثائق، " يستنتج من هذه الوثائق أن الجنرال مارينا، وهو يعارض بقاء قوات المخزن في بلاد (كرط) كان يخدم المصالح الإسبانية التي لم تكن لها قاعدة شرعية، وكان، في الوقت نفسه يساند ثورة بوحمارة بحجة أن من مصلحة إسبانيا لزوم الحياد في هذا النزاع الذي يجري في بلد أجنبي بين السلطة الشرعية وأحد الثائرين عليها".
الخناق يشتد على بوحمارة
كان لمبايعة المولى عبد الحفيظ بدل أخيه عبد العزيز، أثر واضح على ثورة الروكي، وتبعا لذلك أعلن الشريف أمزيان حربه على بوحمارة، الحرب التي سينتج عن انتصاره فيها، فصل قبائل الريف الكبرى تمسامان وتافريست عن الروكي ومبايعة السلطان الجديد، ما جعل بوحمارة بمعية قائده الجيلالي يشنون حربا على جبهات متعددة، وأغاروا على تمسامان، وفرضوا عليهم الجبايات وأعاد سلطته عليها، لكن قبائل أخرى مثل بني ورياغل كانت تهيئ في الخفاء بيعة للمولى عبد الحفيظ، مرفقة برسالة تطالبه بالتدخل وتعيين قواد مخزنيين جدد، فهاجم بني ورياغل في خطوة كانت بمثابة بداية نهايته، وهزم هناك شر هزيمة، وتراجع إلى سلوان، بعد أن تبرأت منه كل القبائل.
في هذه الظرفية كانت إسبانيا تراقب الوضع بعدما أبدت في البداية مساعدة لبوحمارة حين منعت الجيوش المخزنية من الإنزال بمليلية، تاركة إياها تنزل بـ"بوعارك" ذي المرفأ الطبيعي الصعب، وقام الجنرال مارينا ببعث برقية لحكومته يقول فيها، إن أمزيان يتزعم ثورة إسقاط بوحمارة، وتأكد رهان إسبانيا الخاسر حين هاجمت القبائل الريفية في الثامن من أكتوبر العمال الإسبانيين في "معمل ويشن".
كان للشريف أمزيان دور سياسي وتعبوي آخر غير الدور العسكري، فقد جمع إليه خمس عشرة قبيلة، واجتمع بزعمائها ليقرروا محاصرة سلوان والقبض على بوحمارة، وبدأ الحصار أواخر أكتوبر ليستمر إلى متم نوفمبر، حيث سيطلب الروكي من أمزيان السماح له بمغادرة سلوان في اتجاه الضفة الأخرى من نهر ملوية، وبعد مرور شهرين على هربه ألقي القبض عليه من طرف جنود المولى عبد الحفيظ، يوم 21 غشت 1909 وأعدم بفاس يوم 13شتنبر.
من هو بوحمارة
كان عمر بن إدريس الجيلالي الزرهوني الروكي في بداية مسيرته المهنية كاتبا لدى السلطان في مراكش. وبما تأتى له من معرفة بالكتابة والأخبار وعلوم الآلة، استطاع أن يطلع على الوثائق والمحررات الرسمية، وبعد بضع سنوات من عمله هذا، استطاع الروكي أن يكتسب الكثير من الخبرة في مجال كتابة الوثائق وتوقيع العقود، فقام بارتكاب أول تزييف في حياته وتم إبعاده عن القصر.
إن كثيرا من المؤرخين يصفون بوحمارة، بأنه كان رجلا فصيحا طليق اللسان، وأنه استغل معرفته بالعلوم الشرعية وبالفقه في استمالة سكان القرى والقبائل التي كان يمر منها. بل إنه كان خبيرا أيضا في السحر والتنجيم، وبرع في مجال الخدع السحرية وقراءة حركات النجوم ومواقع الأفلاك، ينضاف إلى هذا توفره على خاتم سلطاني يحمل لقب ابن السلطان الأكبر، كل هذه العوامل جعلت دعوة بوحمارة تحظى بالقبول لدى سكان القبائل الريفية، خصوصا مع انشغال السلطة المركزية في مراكش وفاس بمشاكل أخرى من قبيل الأطماع الأجنبية، وتنازع الأمراء على خلافة الملك القوي الحسن الأول. لكن هذه القبائل هي نفسها التي ستحاصر بوحمارة، ليتم إلقاء القبض عليه ونقله في القفص الشهير إلى فاس.
في نهاية يوليوز من سنة 1907، قام سكان البيضاء بتخريب خط السكة الحديدية المقام وسط الميناء، وهاجموا معمرين فرنسيين، لأنهم استشعروا خطورة الوافد الجديد، الذي نافسهم في تجارتهم، وضيق عليهم بلادهم، ولم يتأخر الرد الفرنسي كثيرا، ففي مطلع شهر غشت أغارت من جانب البحر سفن حربية فرنسية وإسبانية على المدينة، وانتشرت رائحة الموت المخيفة.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire