) أما أضرحة الأدارسة فمعلوم عند المؤرخين أن قبر إدريس الأول لم "يكتشف" إلا سنة 1318 (توفي سنة 793، أي بعد وفاته بـ 525 سنة)، كما أنّ ضريح إدريس الثاني لم "يكتشف" بدوره إلا سنة 1437، و هو المتوفى سنة 828، مما يعني أن مدفنه ظلّ مجهولا حوالي 609 من السنين، و قد تمّ ذلك في مرحلة بدا فيها واضحا تجدد الحاجة السياسية إلى رمزية "الشرفاء" ضدّ النزعة المهدوية التي كان يشجعها الحفصيون في شرق المغارب و في مواجهة عصبية القبائل الأمازيغية و تقاليدها المحلية و لردّ تهديدات الزوايا الزاحفة، و التي أصبحت تحاصر الحكم المركزي من كل جهة. و إذا علمنا أن الطريقة التي "اكتشف" بها قبر إدريس الثاني في العهد المريني كانت عبر "حلم" رآه أحدهم، و إذا علمنا أن أحد حفدة إدريس قد استغلّ مزاره المذكور بعد اكتشافه ليعلن نفسه ملكا على فاس، و إذا علمنا أن المرينيين لم يكونوا يتوفرون على شيء من تقنيات علم الأركيولوجيا و لا معدات تحليل الـ ADN تبين مقدار الحاجة السياسية إلى مزارات و أضرحة الأدارسة، و هو ما يفسر تكريم الشرفاء في هذه المرحلة و تمييزهم إيجابيا عن بقية الخلق ماديا و معنويا.
فالغرض من ذكر هذه الأخبار ـ التي لم نصطنع منها شيئا، بل هي في بطون الكتب لمن أراد التوسع فيها ـ ليس التشكيك في أنساب الناس أو أجدادهم، و لا دفعهم إلى الفتنة و التباغض، بل فهم التاريخ بمنطق التاريخ لا بالخرافات و الأساطير، لأنه لا يمكن المضي نحو المستقبل بإرث ثقيل يستعمل من أجل إعادة المجتمع إلى الوراء.
و قد كانت لأضرحة الأدارسة وظائف مكثفة في عهد الدولة العلوية، حيث اعتبرت زيارة السلطان لضريح المولى إدريس بعد بيعته لحظة ذات رمزية قوية، إذ هي بمثابة وصل الحاضر بالماضي.
و حتى عندما كان حاكم المغرب في فترة الحماية هو المقيم العام الماريشال ليوطي، فقد جاءه بعض أعيان و علماء فاس بشموع من ضريح مولاي ادريس لكي يشفى من مرضه و قرؤوا "اللطيف" عند رأسه و دعوا له بالشفاء، و هكذا شملت بركة الإمام إدريس النصارى أيضا، أنظر بهذا الصدد (Didier Madras, Dans l'ombre du Maréchal Lyautey, 1953, page 81)
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire