* "البورجوازية" المغربية؟
هل يمكن إسقاط مصطلح "البرجوازية" وما يحمله من ثقل ودلالات فكرية وأدبية على "الطبقة الغنية" في المجتمع المغربي؟ الجواب المنطقي والعقلاني سيكون لا. لأنه وباختصار شديد؛ لا وجود لشيء اسمه البورجوازية في المغرب، الأمر في المغرب يتعلق بلصوص أو مافيات أو عصابات تستولي على خيرات الوطن بكل الوسائل المتاحة.
و"البورجوازي" المغربي تجاوزا، وفي جميع تشكلاته الحالية يكاد لا يستثنى من نعت الإقطاعي المستبد، و"الخانز فلوس"، وسمسار الأراضي، ناهيك عن "البزناس"، أو غني من "أغنياء الحرب"...
إذ لا علاقة لمصطلح البورجوازية بحمولته ودلالته الأوربية ،"بالبورجوازية" العربية إن صح القول. وبالتالي لا يمكن إسقاط هذا المصطلح على الطبقات الغنية بالمجتمعات العربية ومنها المجتمع المغربي، وعليه يجب على متخصّصي السوسيولوجيا وعلم الاصطلاح، والمؤرخين، إيجاد مصطلح بديل ومناسب لهذه الطبقة التي تجمع بين ملامح الإقطاعية القديمة، والاندماج في الرأسمالية العالمية الحديثة، مع غياب لأي دور إيجابي، تنويري نهضوي يؤثر إيجابا في مجتمعاتها على المستوى الاقتصادي، الفكري والثقافي...
الأمر الذي وفي غياب مصطلح خاص بالمجتمعات المتخلفة سنستعمل مصطلح البورجوازية تجاوزا على الشرائح الغنية من المجتمع المغربي في إطار محاولة تحديد سماتها وظروف نشأتها وأبعادها الوطنية والسياسية والمجتمعية...
* تاريخ وظروف نشأتها؟
ولا يخفى علينا أن "البورجوازية" أو الطبقة الغنية أو الاقتصادية أو النافذة في البلاد، في تكوينها التاريخي كانت لها علاقة بالاستعمار، وقد ولدت من رحم الاستعمار ومن رحم هذه العلاقة المصلحية طبقة عريضة من "المحميون"، حيث عمل الاستعمار على تزكية "الأعيان" و"الخونة" لضمان مصالحهم الاستعمارية، وبالتالي ومنذ ذلك الوقت والعلاقة بين أصحاب المال وأصحاب السياسة مرتبطة ارتباطا شديدا ووثيقا. وبينما خرج الاستعمار من الباب عوضه "المخزن" الذي دخل من النافذة، واستمر في عقد مصالحه مع مصالح الطبقة التي ذكرنا سالفا، والتي كانت تضع يدها مع المستعمر من أجل استغلال الكعكة واقتسامها. أما الطاقات الوطنية الحقيقية فكانت تقصى وتستبعد ويضيق عليها الخناق، سواء عهد الاستعمار أو عهد الاستقلال، وربما الأمر مستمر بصيغ أخرى حتى اليوم.
فنقدنا للظاهرة "البورجوازية" في المغرب يرجع إلى عدة معطيات ترتبط مباشرة بطبيعة هذه الطبقة الغنية:
أولا؛ الطبقة الغنية بالمغرب ارتبطت بشكل جنيني بالعقار والربح السريع.
وثانيا؛ أن النواة الأولى لهذه الطبقة نضجت وتربت في أحضان الاستعمار.
وثالثا؛ أن ثروات جل الأثرياء المغاربة،إما من إرث كسب بطريقة غير شرعية، وإما من كسب فيه "إن"، وإما من استغلال نفوذ ما، وإما من كسب بعرق الجبين لكنه لا يفيد لا البلاد ولا العباد...
* طبيعة البورجوازية المغربية؟
قلنا أن البورجوازية ليست هي الغنى المادي فقط، بل هي سيرورة طويلة من التكون والشروط التاريخية المواكبة لتشكلها. لذلك فما نجده في المغرب، هم مجرد تجار ومضاربون عقاريون وفلاحون كبار...
أو لنقل أن البورجوازية المغربية هي النسخة الرديئة للبورجوازية الفرنسية، وتتميز بجهلها ولا وطنيتها وسيلان لعابها على الربح السريع ووضع اليد في يد كل المفسدين محليين أو أجانب أو من داخل السلطة أو من خارجها. بورجوازية متوحشة نظرا للدور السلبي والكارثي الذي لعبته هذه الطبقة في كل المجالات وخلال كل المراحل. فهذه الطبقة الغنية، تساند الفساد الإداري لأنها تستفيد منه كمظهر من مظاهر تطورها وضمان لإستمراريتها في غياب المنافسة الشريفة القائمة على حرية المبادرة والابتكار. فالفساد رهان فاعليتها، حيث غياب تكافؤ الفرص. لذلك فهي تنمّي الفساد وتشجعه وتحميه وتسنده لأنه مصدر ثرائها وضامن نفوذها، وسبب استمرارها. بل نسجها لعلاقات نسب وشراكة معقدة ومتشابكة، مع جوه تنتمي إلى عالم السلطة، أومنبثقة من رحم السياسة،أو من خلال بوثقة الأمن والمؤسسة العسكرية... لوبيات جامعها وقاسمها المشترك هو الفساد والعمل من أجل المصلحة الشخصية وضدا على الوطن.
وهي لذلك بورجوازية تطل علينا مرة من جبة استقرار الاقتصاد الوطني والانعاش والتنمية، ومرة من جبة السياسي الجالب للخيرات والاستثمارات، ومرة من جبة العسكري حامي الوطن...
وهي لذلك كله طبقة تافهة؛ لأنها لم ترق لأن تكون طبقة واضحة المعالم ومنسجمة ولها ملامح متقاربة ومواقف محددة، وتحترم التافسية، و لا تخوض في ماء الفساد والعلاقات المشبوهة. وتافهة لأنها لم تنتج فكرا اقتصاديا أو سياسيا أو اجتماعيا يجعل منها طبقة في مستوى تسميتها بالبورجوازية. وتافهة لأنها لم تتجاوز ان تكون بورجوازية الربح السريع واقتصاد الريع، وفشلها في خلق وبناء اقتصاد وطني دائم ومستدام.
لا أظن إن سألت مغربيا عن طبيعة البورجوازية المغربية أن جوابه سيكون خارجا عن القول بأنه؛ أناس "خانزين فلوس"، لايهمهم إلى "المارشيات" و "الهموز" والاغتناء بكل الوسائل والطرق... بورجوازية الدكاكين والمحلبات والعقاقير... بورجوازية الإقطاعيين والفلاحين الكبار وقليل من المستثمرين في الصناعة التقليدية.. وبعض من المجهودات في التصنيع والتجارة يقوم بها هذا وذاك... وبالجملة بورجوازية الربح السريع...
والنتيجة؛ إقتصاد الهشاشة، إقتصاد علب الكبريت والشموع والغاسول البلدي..! لا نمتلك في المغرب طبقة أو لوبي منسجم وقوي يساهم بالضغط في اتجاه اقتصاد وطني. وبالتالي لا نمتلك اقتصادا وطنيا بل اقتصاد الخونة والنهب والفساد...
* البورجوازية المغربية والوطنية؟
أي دور "وطني" تلعبه البورجوازية بالمغرب؟ وهل منتوج شركات البورجوازية المغربية منتوج وطني أم منتوج رأسمالي ليبرالي متوحش؟ وهل تلعب البورجوازية المغربية نفس الدور الذي لعبته البورجوازيات الوطنية صانعة الثورات والتغيير والطفرات الاقتصادية؟ وهل هي بورجوازية العقار والتخلف والغنى الفاحش أم بورجوازية الوطن والتنمية.
إنها بورجوازية مغربية هجينة، تمتلك المال لكنها لا تمتلك فكرا ومشروعا وطنيا، ويمكن أن تلاحظوا ذلك في طرق عيشها وسلوكياتها، بل وستجدونها تشكل في كثير من الأحيان حجر عثرة وعامل إعاقة أمام السعي والنهوض بالثقافة والمشاريع الوطنية.
أمثلة كثيرة يمكن أن نضربها كدليل لعدم انخراط النخب الاقتصادية لهذا البلد الأمين في مسلسل التنمية والترقي والمشاركة في المسلسل الديمقراطي والحداثي لهذا الوطن؛ لأنها مجرد طبقة أنانية، لاتراعي إلا المصالح الشخصية. هذه البورجوازية المتخلفة المتعفنة لهذا البلد، إن فتحنا رؤوسها فسنجد أشياء محددة في الغالب الأعم: يعتبرون المغرب مزرعة، وبقرة حلوب يجب حلبها عن الآخر، ويرون فيه قطع أرضية يجب المضاربة العقارية والسمسرة عليها من طنجة إلى الكويرة، وطاقات ومعادن ومياه معدنية طبيعية وأسماك وثروات بحرية عليهم الدخول في مجموعة الكبار للاستفادة من حق نهبها... حتى أن الشركات الكبرى في المغرب ليست وطنية ولا تحمل من كلمة وطنية غير الإسم... فماهي مشاريع "اتصالات المغرب" كأغنى شركات المغرب بالنسبة للشعب والمشاريع التنموية؟ وماهي مشاريع "أونا" بالنسبة للوطن وبالنسبة للمغاربة؟ وأين تذهب مداخيل الشركات الحاضنة للثروات الوطنية كالمعادن والفوسفاط والصيد في أعالي لبحار والمياه المعدنية ومقالع الرمال..؟ وما هي رهانات البورجوازية المغربية؟ وهل لها أهداف وبرامج تنموية ووطنية؟ وهل يعول على البورجوازية المغربية في وضعها الحالي في مشروع التنمية المستدامة بالمغرب؟
كما أننا تعودنا بين الفينة والأخرى أن نسمع أن اللاعب الفلاني بنى ملعبا أو مدرسة، ونسمع أن المغنية الفلانية ساهمت بريع الحفلة الغنائية إلى الجمعية الخيرية الفلانية... فهل تسمعون في هذا البلد الأمين بأحد مشاهير هذا البلد يقوم بمثل هذا الفعل؟ أم فقط نسمع أنه أصبح "خانز فلوس"! فما القيمة المضافة للبورجوازية المغربية بالنسبة للوطن؟ ودون لف ولا دوران؛ هل هي "بورجوازية وطنية" أم "بورجوازية متعفنة"؟
* سياسة دولة..!
هي سياسة بلد.! تلك التي ترتب للعلاقة المشبوهة بين البورجوازية بالمغرب والسلطة، وهي علاقة ترتب للزواج بين الاقتصاد مع السياسة والفساد؟
وما استمرار اقتصاد الريع بالبلاد، واستمرار امتيازات العائلات الثرية إلى جانب الرفع من حدة تأزم الوضع بالمملكة السعيدة! بسبب احتكار واستحواذ 10 بالمائة من ساكنة البلاد على ثروات البلاد واعتبار الجماهير العريضة بمثابة"خماسة" في بلاد السيبة والسرقة مع سبق الإصرار والترصد قد غدا أمرا غير مقبول.
فالدولة ترعى المعاملات الاقتصادية والتجارية الكبرى في المغرب وتجعلها تتم "تحت الطاولة". كما أنها تسهر على زواج السلطة بالمال رغم صراغ شعب بكامله بابتعاد السياسيين والنافذين بالسلطة عن المال والاقتصاد. بل ونجدها تتشبث برموز نادى الشعب ومنذ 20 من فبراير بابتعادهم عن الاقتصاد والمال العام الوطني، لكن دون جدوى...
فكيف السبيل إذن إلى "جهوية متقدمة"، أو الحديث عن"تنمية مستدامة"، أو محاولة رفع "نسبة النمو"..؟ في ظل هذا النوع من النخب الاقتصادية الفاسدة و"الشركات اللاوطنية" التي تجني أموالا طائلة من الأنشطة الريعية لتضخ الأموال المغربية في أبناك دولية وأجنبية.
إنه في غياب "بورجوازية وطنية" حقيقية تتبنى مشروع النهوض والدفاع عن الثقافة المحلية، كما هو الشأن بالنسبة للنماذج العالمية الناجحة، سيضل أي حديث عن التنمية والتقدم مجرد شعارات فارغة وكاذبة ومزيدا من الهدر للزمن المغربي...
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire